تحت المطر..
في هدأة الليل و سُكون الجوار و جَنِّ الظلام..
عند إغماد السُّيوف و وضْع الأوزار و إسدال السِّتار..
في غفلة الجُفون و إطباق الشِّفاه و نُطق السَّحَر..
عند نهاية المُنتهين و بَدْأ البادِئين...
إِلبس مِعطفك الأسود..لا تهتمَّ للمطر..
سِر في الشوارع الطويلة..و إسألها ألا تنتهي..
و اُنظر هل تَرى غيرك..و هل من زِحام..
تِلك إذن غنيمة من له الوحدة قلبٌ و دِماء..
سِر و لا تتذكر أنك نسيتَ ساعتك..فكذلك المِعْصم تَحرر..
داعب الريح الباردة التي تُغازل وِجنتيك برِفق و اْحترام..
و حَدِّث الليل عن قرع الحذاء..زخات الماء..حكمة السماء..
و ناجي نفسك مُناديًا..أيا ذنيا..أمثلكِ يغفو هادئ البال..
اِسمعي لرقص ماء السماء على وجه الرصيف مُنشدًا ليلا طويلا صُبحه بعيد..
و ارفع رأسك ترى غيرك آتيا فلا تخشى ظِله أنتَ..فإنه ليس إلا أنتَ..
و انظر له مُبللا يُلقي الوشاح يُراقص المطر..
يدور حول نفسه على ساق واحدة رافعًا كفيه للسماء..
و يشتد المطر..
لتُعزف سمفونية الحياة..
يُراقصها..غير عابئ بخصلات شعره المبلل يحجب عنه البصر..
يُراقصها..و هو لا يدري أخُطوط الماء تلك على وِجنتيه أم عَبرات السهاد..
و يشتد المطر ..كأنه يُعْلِمه بالفراق و أن عليهما العناق..
و تُرفع الألحان على الرصيف و يُحمى الوطيس..
فيخِف المطر..
يَخِف..
يَخِف..
و لازال يُراقص نفسه و قد اِختلط عليه الضحك بالبكاء..
يُلقي بنفسه على عمود النور العال و يضمه إليه باردًا من حديد..
يبكي..
قد كان يبكي..
فذاك رقص البكاء..
****************************************************
الحالة لا تعبر عن مقام أدبي..
و إنما هي حاجة الإنسان المُلحة..
حاجته إلى البكاء..في سعادته..كما في حزنه..
إنها تفريغ المشاعر المحبوسة بين جدران أعراف المجتمع.